حكم الغش في العمل في الإسلام

Written by Hebaal Jundi
بقلم Hebaal Jundi،

نظرة عامة

يُعد العمل أمانة ومسؤولية عظيمة في الإسلام، حيث يحث الدين الحنيف على الإخلاص والصدق في أداء الواجبات، ويُحذِر من أي سلوكيات تنافي الأمانة، وعلى رأسها الغش. فالغش في العمل لا يقتصر على التلاعب بالجودة أو الإنتاج، بل يشمل التقصير في أداء المهام، والتهاون في المسؤوليات، وخداع الآخرين لتحقيق مكاسب غير مشروعة. 

وللغش تعريفاتٌ كثيرة، فهو نقيض النصح، وكذلك خلط الشيء الجيد بالشيء الرديء، ويعني أيضاً كتم أمرٍ أو معلومة ما مع العلم بأنها لو عُرفت لكرهها الآخر، وأضرت به، وأما الغش في العمل في الإسلام فيعني عدم إتمام العمل وإتقانه.

وقد جاءت النصوص الشرعية واضحة في تحريم الغش بجميع صوره، لما له من آثار سلبية على الأفراد والمجتمع، وفي هذا المقال، سنتناول حكم الغش في العمل في الإسلام بالتفصيل، مستندين إلى الأدلة من القرآن الكريم والسنة النبوية، مع توضيح صوره في المجتمع.

في هذا المقال:

حكم الغش في الإسلام

لا شك أن حكم الغش في العمل في الإسلام واضحٌ وضوح الشمس ولا اختلاف عليه، فهو محرم بنص الحديث الشريف عن الرسول صلى الله عليه وسلم: “مَنْ غَشَّ فَلَيْسَ مِنِّي”- رواه مسلم.

إذ يعتبر الغش كبيرة من الكبائر، وآفة من آفات المجتمع التي يجب التخلص منها، فهو أشبه بخيانة للعهد الذي يقطعه المسلم تجاه ربه ورسوله، والذي جاءت العديد من الآيات في القرآن الكريم مؤكدةً على عِظمه وأهميته.

قال الله تعالى: “يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَخُونُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ وَتَخُونُوا أَمَانَاتِكُمْ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ” – سورة الأنفال: 27

صور غش الموظفين في العمل

يُعدّ الغش في العمل من الظواهر السلبية التي تؤثر على أداء المؤسسات وسمعتها. وخاصة إذا كان صادراً من الموظفين، مما يعني عدم أمانتهم ومهنيتهم، واستعدادهم للتلاعب كسباً للمال، أو إضاعة للوقت. وفيما يلي أبرز صور غش الموظفين في العمل:

1. الغش في المعاملات المالية

يعتبر الاختلاس المالي من صور الغش التي نبذتها الشريعة الإسلامية، ويعني استيلاء الموظف على أموال أو موارد الشركة بطرق غير مشروعة، مثل التلاعب بالحسابات أو سرقة الأصول.

ومن الأمثلة الكثيرة على ذلك أن يتعمد الموظف تزوير أرقام الدفاتر والقيود المحاسبية، بل ويتفنن الكثيرون في ابتكار أساليب جديدة لمنح صورة مكذوبة وغير حقيقية عن الوضع المالي للشركات.

والغش في المعاملات المالية لا يقتصر على الشركات الكبيرة وحسب، بل قد يصدر من الباعة في المحلات والأسواق أيضاً، وفي البيع والشراء بكافة أشكاله، وقد بين الله عِظم هذا الأمر، وتوعد مرتكبيه بشديد العقاب حين قال:

قال الله تعالى: “وَيْلٌ لِلْمُطَفِّفِينَ * الَّذِينَ إِذَا اكْتَالُوا عَلَى النَّاسِ يَسْتَوْفُونَ * وَإِذَا كَالُوهُمْ أَوْ وَزَنُوهُمْ يُخْسِرُونَ * أَلَا يَظُنُّ أُولَئِكَ أَنَّهُمْ مَبْعُوثُونَ * لِيَوْمٍ عَظِيمٍ * يَوْمَ يَقُومُ النَّاسُ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ” – سورة المطففين: (1-6)

فمن حسن إسلام التاجر أن يكون صادقاً مع الناس، فلا يخبرهم بأي معلومة خاطئة عن منتجاته، وقد ضربت السنة النبوية مثلاً في هذا حين مر الرسول بتاجر يبيع طعاماً، فأدخل الرسول يده فيها فأصابت بللاً، فقال: ما هذا يا صاحبُ الطَّعامِ؟ قال: أصابَتهُ السَّماءُ أي المطرُ فقال: فهلَّا جعلتَه فوقَ الطَّعامِ حتَّى يَراهُ النَّاسُ؟ مَن غشَّنا فلَيسَ منَّا” – صحيح.

2. الغش في الوقت

يعد تسجيل ساعات عمل غير حقيقية، سواء بالحضور المتأخر أو المغادرة المبكرة دون تسجيل ذلك، أو تسجيل ساعات إضافية لم يتم العمل خلالها غشاً لا اختلاف عليه، وهو صورة من صور الكذب الصريح أيضاً.

إذ يستحل المرء لنفسه أكل المال بالباطل عندما يسجل ساعاتٍ أو حتى دقائق وثوانٍ إضافية لم يجتهد فيها، ولم يبذل خلالها مجهوداً يستحق أن يتلقى مقابلاً مادياً عليه. بل وقد يُعتبر موظفاً نشيطاً فيحصل على ميزات إضافية عن زملائه بسبب غشه، مثل زيادة الراتب.

قال الله تعالى: “وَلَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ” -سورة البقرة:188

والكثير من الموظفين لا يراعون الله في أوقاتهم، فيماطلون، ويقصرون، ويقومون بأخذ ساعاتٍ طويلة فيما يمكنهم إنجازه في ساعةٍ واحدةٍ مثلاً، بالإضافة إلى عدم إتقانهم لعملهم وأدائه على النحو المطلوب.

3. الغش في معلومات التوظيف

قد يدفع اليأس والحاجة إلى العمل العديد من الموظفين لممارسة الغش في تقديم معلومات التوظيف التي تخصهم، وذلك في عناوين السكن، أو المؤهلات الوظيفية، أو الخلفية الأكاديمية وغيرها.

ويعد هذا من السلوكيات غير الأخلاقية التي تؤثر سلباً على بيئة العمل والمجتمع. فهذا النوع من الغش يؤدي إلى شغل المناصب من قِبل أشخاصٍ غير أكفاء، مما يضر بالإنتاجية ويؤدي إلى ظلم الأشخاص المؤهلين.

في الإسلام، يُعدّ الغش من المحرمات، إذ تأمر الشريعة بالصدق والأمانة في جميع المعاملات، ومنها التوظيف، فتقديم معلومات مزيفة يُعد خيانة للأمانة، وهو مما نهى عنه الدين بشدة.

 قال تعالى: “إِنَّ اللّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الْأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا” – سورة النساء: 58

4. الغش في القول

يُعدّ الغش في القول والكلام في العمل من السلوكيات المذمومة التي تتنافى مع مبدأ الصدق، الذي لطالما أكد الدين الإسلامي على أهميته وضرورته، مثل الكذب بشأن إنجاز المهام، أو تزييف التقارير، أو إعطاء معلومات مضللة عن الأداء. 

يُلحق هذا النوع من الغش أضراراً جسيمة بالمؤسسة والعاملين فيها على حدٍ سواء، وقد يؤدي إلى فقدان الثقة بين الزملاء والإدارة، ولهذا يُحرم  الإسلام الغش بجميع صوره، وخاصة في الأمور التي تتعلق بالحقوق والمسؤوليات.

اقرأ أيضاً: وقت العمل في الإسلام

سياسات مكافحة الغش في العمل

تسعى المؤسسات إلى الحد من الغش في بيئة العمل من خلال وضع سياسات واضحة تعزز النزاهة والشفافية. تتضمن هذه السياسات مجموعة من الإجراءات، إلى جانب التركيز على الجانب الديني. فيما يلي بعض السياسات الفعالة لمكافحة غش الموظفين:

  • تعزيز الرقابة الذاتية 

في الإسلام، يُعتبر مبدأ الإحسان حجر الأساس في أداء الأعمال بأمانة وإخلاص دون غش، حيث تدعو الشريعة الإسلامية إلى أن يعمل الإنسان وكأن الله يراه. قال النبي الكريم: “الإحسان أن تعبد الله كأنك تراه، فإن لم تكن تراه فإنه يراك” – رواه البخاري ومسلم.

ويعني تطبيق هذا المفهوم في بيئة العمل أن الموظف يجب أن يكون مراقباً لنفسه، فيؤدي عمله بضمير حي حتى في غياب الرقابة الإدارية، لأنه يعلم أن الله مطلع على أعماله. 

فمهما بلغت سياسات مكافحة الغش من درجات، فإن تنمية الوازع الديني وتقوية الشعور بالمسؤولية أمام الله يعتبر من أقوى الأساليب وأكثرها راحةً وفاعلية في مكافحة الغش، أو أيٍ من أساليب الخداع الأخرى.

  • تعزيز الشفافية والمحاسبة

يدعو الإسلام إلى الشفافية والمحاسبة، فقد قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه: “حاسبوا أنفسكم قبل أن تُحاسبوا، وزِنوا أعمالكم قبل أن توزن عليكم”.

ويتطلب تطبيق هذا المبدأ في بيئة العمل وضع آلية واضحة للتقييم العادل للأداء، بحيث يحصل كل موظف على حقه بإنصاف، بالإضافة إلى تشجيع ثقافة الإبلاغ عن الغش والفساد، مع ضمان توفير الحماية للموظفين الذين يكشفون المخالفات.

بالإضافة إلى الاعتماد على نظام تدقيق داخلي إسلامي يعتمد على النزاهة والعدل في مراجعة أداء الموظفين، وبهذا يركن كل موظف إلى أن أسس التعامل مع كافة الموظفين واحدة فلا حاجة له بأساليب الغش.

  • تطبيق برامج تتبع الوقت 

تُعد برامج تتبع الوقت من الأدوات الفعالة في الحد من التلاعب بساعات العمل، والتأكد من أن الموظفين يقضون وقتهم في أداء مهامهم بفعالية دون مراوغة. 

إذ تعمل هذه الأنظمة على تسجيل أوقات الحضور والانصراف بدقة، مما يمنع تسجيل ساعات غير مستحقة. كما توفر ميزات مختلفة مثل تتبع الأنشطة على الأجهزة الإلكترونية، وإعداد التقارير الآلية التي تساعد الإدارة على تقييم الإنتاجية الحقيقية للموظفين.

بالإضافة إلى العديد من الميزات المتطورة التي تسهل عملية تتبع الوقت، مثل التعرف على الوجوه، وماسحات بصمات الأصابع، وتتبع الموقع الجغرافي، والتتبع باستخدام تقنية الاتصال قريب المدى، وغيرها.

وتساعد التقارير المفصلة التي تقدمها تلك البرامج في معرفة كيفية قضاء الموظف لوقته، والتكامل مع أدوات إدارة المشاريع، بطريقة تمنع الغش، وتقطع الطريق على الموظفين المراوغين.

كما تتضمن بعض البرامج توفير ميزة لقطات شاشة دورية لأنشطة الموظفين، مما يعزز الشفافية ويحد من التلاعب بالوقت. ويساعد في تحسين كفاءة العمل من خلال توفير بيانات تحليلية حول أداء الموظفين.

  • وضع سياسات واضحة للعقوبات والمكافآت

يساعد وجود سياسات واضحة ومحددة للعقوبات على الغش في العمل في ردع الموظفين عن ارتكاب المخالفات، بحيث تكون هذه السياسات معلنة للجميع، وتُطبق بعدل على جميع الموظفين دون تمييز. 

فمثلاً يمكن تحديد إجراءات تأديبية تدريجية، تبدأ بالتحذيرات، ثم الخصومات المالية، وقد تصل إلى إنهاء الخدمة في حالات الغش المفرط، مثل التزوير أو الاختلاس.

من جهة أخرى، فإن تقديم الحوافز والمكافآت للموظفين الملتزمين يعزز السلوك الإيجابي ويحفز الأداء النزيه، ويمكن أن تشمل هذه الحوافز مكافآت مالية، أو تقديراً معنوياً علنياً داخل الشركة، أو حتى ترقيات وظيفية. 

إذ يخلق الجمع بين العقوبات الرادعة والمكافآت المحفزة بيئة عمل متزنة معتمدة على النزاهة والانضباط.

اقرأ أيضاً: تعزيز إنتاجية العمل في الإسلام

أحكام متعلقة بالغش في العمل

هناك العديد من المواقف والحالات التي قد يتعرض لها الموظفون، وعليهم تَبينُ الموقف الشرعي والحكم الديني فيها لتجنب الغش والخداع، ونذكر منها:

#1 حكم توقيع موظف عن زميله الغائب

قد يتغيب أحد الموظفين عن العمل فيطلب من زميله أن يسجله حاضراً في هذا اليوم، لكي لا يتم الخصم من أجره الشهري، وهذا حرام كما أفاد مجلس الفتوى في موقع إسلام ويب، لأنه صورةٌ من الكذب والغش.

والتصرف الصحيح هو التزام الموظف بالوقت، والتزامه بالأساس بشروط العقد الذي وقع عليه عند التعاقد أيضاً من دون تزويرٍ أو كذب، ويتطلب هذا الذنب توبةً من الموظف، وإخراج صدقة مقدارها يوم عمل كامل كفارةً عن هذا اليوم الذي غاب فيه.

#2 حكم التلاعب بتسجيل وقت الحضور

يحصل كثيراً أن يمارس بعض الموظفين حيلاً لتزييف الأوقات المتعلقة بالدوام، ومنها وقت الحضور، فإذا كان من المفترض القدوم للعمل في السابعة صباحاً، وتأخر الموظف ساعة على سبيل المثال، فإنه يسجل موعد وصوله في السابعة!

هذا تصرفٌ حرام في الشريعة الإسلامية، إذ لا يجوز للموظف التلاعب في سجلات الحضور والانصراف لأن هذا شكلٌ من أشكال الغش، كما أفاد علماء الدين في موقع الإسلام سؤال وجواب.

وقد سُئل العلامة ابن باز عن ذلك فأجاب: “الواجب على كل مسلم أداء الأمانة والحذر من الخيانة في العمل، في الحضور والغياب وفي كل شيء، والواجب عليه أن يسجل الوقت الذي دخل فيه، والوقت الذي خرج فيه”.

#3 حكم السكوت عن التلاعب في وقت الحضور والانصراف

عرفنا حكم التلاعب بأوقات التسجيل والحضور في الدوام، لكن ماذا عن الموظفين الذين يكونون على إطلاع حول مخالفات زملائهم وارتكابهم للغش والخداع في أوقات الدوام ولا يحركون ساكناً؟ كيف ينظر الدين إلى تصرفهم؟.

يحتم الإسلام على من رأى منكراً أن يغيره، قال رسول الله: “مَن رَأَى مِنكُم مُنْكَرًا فَلْيُغَيِّرْهُ بيَدِهِ، فإنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَبِلِسانِهِ، فإنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَبِقَلْبِهِ، وذلكَ أضْعَفُ الإيمانِ”- صحيح، ولأن التلاعب بالوقت هو منكر، فإن على من شهده ألا يسكت عنه، كما يجب أن يبادر بنصح زميله ونهيه عن هذا الغش، إلا إذا كان هناك ضرر واقع عليه.

#4 حكم العمل عند من يمارس الغش

يقف المسلم أحياناً في حيرة من أمره عندما يتحرى الحلال والحرام في رزقه من جهة، مخافة من الله وطلباً لتقواه، ولكنه من جهة أخرى يكتشف أن من يعمل معهم يمارسون الغش ويكتسبون مالاً من وراءه.

يرى الإسلام في هذا الفعل الحرام آفة كارثية في المجتمع، ذلك لأن ضرره لا يمتد على الشخص وحسب بل وعلى الآخرين، وهنا على المسلم ان ينصح زملاءه بالكف عن هذا الغش، والعدول عنه والتوبة.

فإن انتهوا فلا بأس من العمل معهم، وإلا فإن عليه عدم العمل معهم، لأن في بقائه إعانةً لهم على الغش والباطل، وفي هذا جاءت الآيات الكريمة بالنهي:

قال الله تعالى: “وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ” – سورة المائدة:2

#5 حكم الكسب المبني على الغش

يلجأ البعض إلى الغش لأن فيه من الكذب والتزوير ما يحقق لهم مكاسب وأرباحاً وفيرة، قد لا يكون بالإمكان تحقيها إن سلكوا طريق الحق والصدق، والحكم الشرعي في هذا أنه حرام في الإسلام.

وذلك لأن الله أحل للمسلمين الكسب المشروع المبني على طلب الرزق بالطرق والأساليب الحلال، التي لا غش فيها، ولا سلب لحقوق الآخرين، ولا خيانةً للأمانة، وقد قال الرسول: “لا تزول قدما عبدٍ حتى يُسألَ عن عمُرهِ فيما أفناهُ ، وعن علمِه فيما فعل، وعن مالِه من أين اكتسَبه وفيما أنفقَه، وعن جسمِه فيما أبلاهُ” – صحيح.

خاتمة

يُعد الغش في الإسلام من الكبائر التي تُفسد العلاقات وتُضيع الحقوق، وقد حذرت الشريعة الإسلامية منه بصورة قطعية، سواء كان في البيع والشراء أو في العمل أو حتى في التعليم. 

فالإسلام دين الأمانة والصدق، ولا يقبل أي نوع من أنواع الغش أو الخداع، وقد جاءت الآيات القرآنية والسنة النبوية لتؤكد أن الغش يتنافى مع أخلاق المسلم ومبادئ الدين القويم. 

لذلك، يجب على المسلم أن يحرص على الأمانة في كل معاملاته، مبتغياً بذلك رضا الله تعالى وساعياً لنشر الثقة والعدل في المجتمع.