العمل عن بعد في المملكة العربية السعودية: الاتجاهات والنصائح

نظرة عامة

تُعتبر المملكة العربية السعودية واحدةً من الدول متسارعة التطور في المنطقة، إذ تسعى الدولة إلى تنفيذ العديد من المشاريع التنموية الرائدة التي من شأنها جعلها مركزاً مالياً جاذباً للمستثمرين والباحثين عن العمل على حدٍ سواء.

عُرفت السعودية بتبنيها الكامل للتكنولوجيا الحديثة بكافة مجالاتها وقطاعاتها وتحديداً في السنوات الأخيرة، وذلك ليس بالغريب مطلقاً، خاصة بعد أن أصبحت الصناعات التقنية جزءًا لا يتجزأ من حياة السكان اليومية، لما لها من أثرٍ في تعزيز جودة الحياة ودفع عجلة النمو نحو الأمام.

في الآونة الأخيرة، شهدت المملكة توجهاً متزايداً نحو تشجيع أنماطٍ جديدة للعمل ومنها العمل عن بُعد، حيث بدأت العديد من الشركات بتبني هذا النموذج بشكل مباشر. وقد أثار ذلك اهتمام الكثيرين لمعرفة المزيد عنه، خاصة مع انسجامه مع الاتجاهات العالمية المتزايدة نحو تشجيع أسلوب العمل المرن.

best-practices-time-tracking-remote

في هذا المقال:

العمل عن بعد في السعودية: الاتجاهات والإحصائيات

شجعت وزارة الموارد البشرية والتنمية الاجتماعية السعودية من التوجه إلى خلق بيئة رقمية مميزة، تسهم في خلق أنماط عملٍ متعددة تختلف عما هو متعارف عليه من العمل المكتبي، ونحن نقصد بذلك انتشار نمط العمل عن بعد، أو الجمع بين النمطين بالعمل بشكلٍ مباشرٍ آناً وعن بعد آناً آخر بما يسمى بنظام العمل الهجين.

تنبه العالم كله إلى أسلوب العمل عن بعد بعد جائحة كورونا عام 2019، إذ فرض الواقع على الشركات والمؤسسات ظرفاً جديداً في سوق العمل، أجبرهم على توجيه القوى العاملة إلى الاستمرار في الإنتاج والعطاء من المنزل.

ولكن السعودية بدأت بإرساء قوانين العمل عن بعد قبل ذلك بكثير، إذ صدر القرار السامي بالترتيبات التنظيمية اللازمة لتطبيق أسلوب العمل عن بعد رسمياً عام 2013. تشمل اللائحة الاتجاهات والإحصائيات التي من شأنها تأطير هذا النمط وضبطه. فيما يلي نتناول ذلك بالتفصيل:

اتجاهات العمل عن بعد في السعودية

  • تتجه السعودية إلى قياس جاهزية مختلف الفئات في المناصب الوظيفية ومدى استعدادهم للعمل عن بعد من حيث المعرفة التقنية، والتكاليف المالية، والتخطيط والإعداد عبر تجهيز أدلة تدريبية، وأجهزة للتطبيق التجريبي، وشرائح إنترنت. من ثم التنفيذ والتفعيل لتقييم الأداء والدعم والمتابعة بين الموظفين ومدرائهم.
  •  تُعتمد منهجية تصنيف الموظفين إلى فئات ثلاث وهي الموظفين الإداريين، والموظفين العاملين على منصات التقنية، والموظفين متعددي المهام. تُحدد كل فئة بناءً على المهام، والحاجة إلى التواجد في الاجتماعات، والعلاقة مع الأنظمة الداخلية.
  • يُقاس عمل الموظفين بناءً على أدواتٍ عدة وهي التقارير التي ترصد سلوك الموظفين ومدى تواجدهم، ومدى تفاعل الموظفين مع المنصات، وتقييم الأداء بناءً على الأهداف المحققة.
  • اعتمدت الوزارة مرجعية التجربة بالاستناد إلى دراساتٍ داخلية وخارجية، أبرزها مؤشرات الأداء، بالإضافة إلى تقارير متابعة الموظفين حول الإنتاجية وإمكانية التواصل والتعاون مع الفريق، والتي تُرفع بشكل دوري.
  • اطلعت الوزارة على تجارب عالمية للعمل عن بعد، سعياً للنمو والتوسع والتطوير، وقد كانت النماذج التي تمت دراستها لكل من البلدان؛ الإمارات العربية المتحدة، والولايات المتحدة الأمريكية، وهولندا.
  • قامت الوزارة برفع كفاءة نموذج قياس التجربة والتغذية الراجعة من خلال قياسين اثنين تمت معالجة كل منهما على حدة، الأول من خلال إرسال رسائل عبر البريد الإلكتروني لغير المتفاعلين لمعرفة أسباب ضعف الأداء، وعمل وِرش عمل مباشرة، والتواصل الهاتفي مع المدير أيضاً. أما أسلوب المعالجة الثاني تضمن البحث عن أسباب عدم مشاركة الموظفين، والتأكد من فهمهم للمهام والمسؤوليات، ورفع مستوى وعي المدراء حول العمل عن بعد.

اقرأ أيضاً: أنواع العقود في نظام العمل السعودي

إحصائيات العمل عن بعد في السعودية

  • أصدرت السعودية  2,358,000 وثيقة عمل حر حتى نهاية النصف الأول من عام 2023، و 377,800 عقد عمل مرن.
  • بلغ عدد الموظفين الذين يعملون عن بعد في السعودية 115,000 موظف حتى نهاية عام 2023.
  • يبلغ عدد المهن التي يمكن العمل فيها عن بُعد في السعودية 281 وظيفة معتمدة، موزعة على 7800 شركة عمل عن بعد، و7600 شركة عمل مرن في مختلف مدن المملكة.
  • استهدفت وزارة الموارد البشرية والتنمية الاجتماعية 21922 موظف من موظفي الوزارة في خطة العمل من بعد، ووقع الاختيار على 165 منهم، واعتذر 8 ليستأنف البقية العمل.
  • تبلغ نسبة الموظفين العاملين كإداريين عن بعد 57% من الإجمالي العام، و12% يعملون على المنصة، بينما يعمل 36% في مناصب متعددة المهام.
  • يبلغ معدل التفاعل اليومي مع الخدمات الإلكترونية على موقع الوزارة 2497، والتفاعل مع أدوات التواصل 7، والدخول الآمن إلى منصات الوزارة 18.
  • يبلغ عدد العاملين عن بعد من الرجال 52% مقابل 48% من النساء.
  • بلغت نسبة قياس الأداء للموظفين الإداريين 60%، ونسبة الالتزام بالتواجد في أوقات الدوام الرسمية 25%، وما يساوي 5% نسبة العمليات على الخدمات الإلكترونية، و10% هي نسبة التفاعل والمشاركة في العمل.
  • بلغ معدل استجابة الموظفين والمدراء لقياس تجربة العمل عن بعد والمشاركة في الاستبيان 99%.

اعرف المزيد عن كيف تحوَّلنا من شركة تعمل من المكتب إلى العمل عن بعد بنسبة 100%

مراحل العمل عن بعد في السعودية

وجهت وزارة الموارد البشرية والتنمية الاجتماعية مختلف الإدارات إلى تطبيق نمط العمل عن بعد، ونظمته في أربعة مراحل أساسية، هي:

  • المرحلة الأولى: الترشيح يتم فيها  ترشيح ما نسبته 20% من الموظفين للعمل عن بُعد بَعد أخذ بعض المعايير بعين الاعتبار ومنها المسمى الوظيفي، وقدرة وفاعلية المرشح، ومن ثم تقوم الإدارة بحصر قوائم الترشيح ومراجعتها، ومن ثم جَمع بيانات المرشحين.
  • المرحلة الثانية: التوزيع يتم فيها توزيع المرشحين الذين وقع عليهم الاختيار للعمل عن بعد على ثلاثة فئات بناءً على تصنيف الوظائف والمهام، بحيث يعمل البعض بنسبة 100% عن بعد، والبعض الآخر بنسبة 50%، وتكون نسبة العمل الميداني 0%.
  • المرحلة الثالثة: الإعداد يتم العمل على إعداد دليل إرشادي للعمل عن بعد، وتحديد آليات وأُطر قياس الأداء، والتأكد من جاهزية وفاعلية الأنظمة التي يتطلبها العمل عن بعد، وتوفر الوزارة المستلزمات المطلوبة لتطبيق هذا النمط من العمل.
  • المرحلة الرابعة: التهيئة تشمل هذه المرحلة الأخيرة تزويد الموظفين بالدليل الإرشادي وتعريفهم بطبيعة العمل عن بعد وأهدافه، وقيم واخلاقيات العمل، ومعايير الحوكمة والأمن السيبراني، والتعرف على مختلف الوسائل التقنية وكيفية استخدامها، والإجابة عن التساؤلات لتحقيق الشفافية والوضوح.

 

أهداف العمل عن بعد في السعودية

جاءت جهود السعودية الحثيثة لتهيئة بيئة مناسبة للعمل عن بعد سعياً لتحقيق مجموعة من الأهداف التي وضعتها وزارة الموارد البشرية والتنمية الاجتماعية، وهي:

  • خلق أنماط عمل جديدة في القطاع الحكومي 

يهدف ذلك إلى تحديث آليات العمل بما يتماشى مع التطورات التكنولوجية والاحتياجات المتغيرة للسعودية، سواء بالنسبة لمنطقة الشرق الأوسط أو العالم. يحمل هذا التحول في طياته عدة فوائد وتطلعات مهمة كتقليل الاعتماد على الحضور الفعلي وما يترافق معه من تخفيف الازدحام المروري وخفض التكاليف التشغيلية المتعلقة بالمكاتب والمرافق.

  • ابتكار مقياس ومنهجية لقياس أداء العاملين عن بعد

من المهم ضمان فعالية وكفاءة نمط العمل عن بعد، ويتم ذلك من خلال تطوير أدوات ومعايير تُعنى بتقييم أداء الموظفين عن بُعد بشكل عادل وشفاف. بالإضافة إلى وضع معايير واضحة للأداء تركز على الإنجاز والنتائج بدل ساعات العمل التقليدية، يهدف ذلك إلى تقييم إنتاجية الموظفين وجودة عملهم.

كما يساعد تطوير منهجية قياس الأداء في خلق بيئة عمل شفافة تُشعر الموظفين بالعدالة عند التقييم، مما يعزز الثقة بين الموظفين والإدارة، وتعتمد هذه المنهجية على أدوات رقمية مثل منصات إدارة المشاريع وأنظمة تتبع الإنجازات، بما يتيح للإدارة مراقبة العمل دون التدخل المفرط، وتحقيق التوافق مع الأهداف المؤسسية الموضوعة.

  • ضمان استمرارية الأعمال في الظروف الحرجة 

يركز هذا الهدف على تمكين المؤسسات من مواصلة أنشطتها وخدماتها دون انقطاع، حتى في مواجهة تحديات استثنائية. والاستجابة للأزمات والطوارئ خلال أوقات الكوارث الطبيعية، والأزمات الصحية، والظروف الأمنية، مما يقلل من تأثير التوقفات المفاجئة على العمليات المؤسسية.

يُمكّن العمل عن بُعد المؤسسات من التكيف بسرعة مع الظروف المتغيرة، وتضمن المرونة التشغيلية استمرار تقديم الخدمات العامة والخاصة دون تأخير، حتى في أصعب الظروف. إلى جانب الحفاظ على سلامة الموظفين في الأحوال الجوية القاسية أو الأوبئة دون التأثير على سير العمل.

  • إيجاد فرص لتحقيق كفاءة الإنفاق

يعني ذلك تحسين استخدام الموارد وتقليل التكاليف مع الحفاظ على جودة الأداء والإنتاجية. فالعمل عن بعد يقلل من الحاجة إلى استخدام المكاتب والمساحات الكبيرة، مما يخفف من النفقات المتعلقة بالإيجار، والمرافق، والصيانة، والخدمات اليومية.

ومع اعتماد العمل عن بُعد، تقل مصروفات النقل اليومية للموظفين، سواء كانت مدفوعة من قِبل المؤسسات كتعويضات أو يتحملها الموظفون بأنفسهم. كما يُساهم ذلك في تقليل استهلاك الوقود وانبعاثات الكربون. بالإضافة إلى استثمار الوقت بشكلٍ أفضل وأكثر فائدة.

اقرأ أيضاً: خمس طرق لتحفيز العاملين عن بعد “برنامج تتبع الوقت ليس هو الحل”!

تطوير نظام العمل عن بعد في السعودية

تساعد الابتكارات الحديثة مختلف الجهات سواء أكانت حكومية أو منشآت القطاع الخاص أو مؤسسات غير ربحية في تلبية احتياجات السوق بكفاءة وفعالية عالية، من خلال توفير حلول وظيفية وتشغيلية متعددة ومنها استخدام العمل عن بعد.

يشكل العمل عن بعد حلاً لمشكلة نقص الكفاءات في الصناعات والأسواق المتعددة، خاصة في صناعة تكنولوجيا المعلومات والاتصالات، وقد ازداد إقبال الشركات على تفعيل العمل عن بعد في السنوات الأخيرة مع إضفاء الصبغة الرسمية عليه، وسن تشريعات، وهياكل برامجية، وسياساتٍ جديدة لتكون بيئة داعمة لهذا البرنامج.

من هذا المنطلق عملت السعودية على تطوير العمل عن بعد من خلال وسائل وتقنيات متعددة، نذكر أبرزها فيما يلي:

  • برنامج العمل عن بعد: أطلقت وزارة الموارد البشرية والتنمية الاجتماعية برنامجاً خاصاً للعمل عن بعد، وذلك في صورة دليل إرشادي يمكن لأصحاب الأعمال والموظفين العودة إليه متى تطلب الأمر. بحيث يشمل الإطار التشريعي، والترتيبات الضرورية، والمهام والمسؤوليات وغيرها من الأبواب التي تجعل هذا النمط من العمل قانونياً تماماً.
  • التطبيقات التكنولوجية:  توفر الأنظمة السحابية حلاً مبتكراً، يُمكِن الموظفين من الوصول إلى البيانات والمعلومات بسهولة من أي مكان وفي أي وقت، إذ يمكن تنظيم المشاريع وتتبع أداء الموظفين بدقة عند تفعيل التطبيقات التكنولوجية. كما يصبح التعاون بين الفرق، خاصة العاملين عن بُعد، أكثر سلاسة وفعالية. ومن التطبيقات المستخدمة في السعودية لتنظيم وقت الموظفين في العمل عن بعد تطبيق جِبل
  • الأجهزة: ضمان توفر الأجهزة المناسبة للموظفين العاملين عن بُعد يعد من التحديات الرئيسية في السعودية. إذ يجب التأكد من أن لديهم أدوات التكنولوجيا اللازمة، مثل الهواتف الذكية لإجراء المكالمات، وأجهزة الكمبيوتر للعمل. وفي بعض الحالات يمكن الاعتماد على أجهزة الموظفين الشخصية، لكن مع مراعاة مسألة التوافق مع البرامج المطلوبة، إذ قد تكون بعض الأجهزة غير ملائمة لتنفيذ المهام بكفاءة.

 

توصيات نظام العمل عن بعد في السعودية

بعد دراسة الأهداف الرئيسية التي حددتها الوزارة للعمل عن بعد، فإن هناك مجموعة من التوصيات والتحديات التي يجب العمل عليها لتحسين هذا النمط من أشكال العمل، ألا وهي:

  • توفير مساحات مخصصة في المنزل لتنفيذ المهام المطلوبة، بما يُسهل الفصل بين أوقات الدوام الفعلية والأوقات الخاصة للموظفين.
  • دراسة الاسباب النفسية التي تحول دون تقبل بعض الموظفين للعمل عن بعد، أو رغبتهم في التواصل الاجتماعي.
  • توفير الوسائل التقنية اللازمة للموظفين لتسهيل العمل عن بعد بما في ذلك شبكة الإنترنت والخدمات التكنولوجية الأخرى.
  • تصنيف فئات المسميات الوظيفية خاصة التي تحتاج إلى عناية كبيرة منها، كالمناصب الإدارية التي تتطلب حضور الاجتماعات أو التنسيقات الأخرى التي يصعب قياسها من خلال العمل عن بعد.
  • تثقيف الموظفين والمدراء حول تجربة العمل عن بعد من أجل تعزيز المتابعة والإنجاز، بما يعزز جاهزية الدوائر للتعامل مع الأزمات، والتحول لأسلوب العمل عن بعد عند الحاجة.
  • دراسة الأعمال التي يصعب القيام بها عن بعد مثل القطاعات الصحية وأعمال التفتيش.
  • جدولة التكاليف التي يتطلبها العمل عن بعد، إذ وصلت التكاليف في السعودية لهذا النمط إلى 500 ألف ريال.

اقرأ أيضاً: كيف تدير العاملين عن بعد

الخاتمة

يمثل العمل عن بُعد في السعودية تحولاً نوعياً يتماشى مع التوجهات العالمية ورؤية المملكة 2030، التي تركز على تعزيز الابتكار والتكيف مع التقنيات الحديثة. ومع تزايد اعتماد هذا النمط من العمل، أصبح من الضروري فهم الاتجاهات الحالية والاستفادة من النصائح والإرشادات لضمان تحقيق أقصى استفادة منه.

يقدم العمل عن بُعد فرصاً متعددة للشركات والموظفين على حد سواء، بدءًا من تحسين الكفاءة وتقليل التكاليف إلى توفير بيئة عمل مرنة تدعم الإنتاجية والابتكار. ويتطلب تحقيق هذا النجاح  التخطيط الجيد، واستخدام الأدوات التقنية المناسبة، ووضع سياسات واضحة تدعم التوازن بين العمل والحياة الشخصية.

ملاحظة تحذيرية هامة

إنّ هذا المحتوى مقدم لأغراض تثقيفية فقط. بينما نبذل قصارى جهدنا لضمان دقة المعلومات المُقدَّمَة، إلا أنه لا يمكننا ضمان خلوها من الأخطاء أو السهو. لذا يُنصح المستخدمون بالتحقق بشكل مستقل من أي معلومات مهمة وعدم الاعتماد على المحتوى المقدم وحسب