يحظي العمال في الإسلام بمكانة رفيعة، حيث ركز الدين الإسلامي على حقوقهم، وأولاهم عناية خاصة. تعكس روح العدالة والمساواة التي جاء بها الدين الحنيف. فقد أسس التشريع الإسلامي قواعد تحفظ كرامة العامل، وتؤكد على ضمان حقوقه المادية والمعنوية، باعتباره جزءًا أساسيًا من نسيج المجتمع.
لم تقتصر هذه العناية على الأحاديث النبوية أو السيرة العملية للنبي ﷺ فقط، بل ابتدأت بالأصل بآيات القرآن الكريم، التي جاءت حافلة بالتوجيهات الإلهية التي تكرس مبدأ العدل في المعاملة بين صاحب العمل والعامل، والتيسير على العمال، والدعوة إلى حفظ حقوقهم.
ذكر القرآن الكريم العمل في سياقات متعددة، مشددًا على ضرورة الوفاء بالأمانة، وأداء الحقوق، والالتزام بالعدل في الأجور والمعاملة الطيبة. كما تضمنت النصوص القرآنية إشارات واضحة إلى أهمية العمل الصالح والجزاء العادل، ما يؤكد دور الإسلام في بناء مجتمع متوازن يقوم على احترام الحقوق والمسؤوليات المتبادلة.
في هذا المقال:
- آيات قرآنية عن حق العمال في التكليف حسب الطاقة
- آيات قرآنية عن حق العمال في الأجر العادل
- آيات قرآنية عن حق العمال في المساواة
- آيات قرآنية عن حق العمال في العبادة
- آيات قرآنية عن حق العمال في الشكوى
- آيات قرآنية عن حق العمال في حفظ الكرامة
آيات قرآنية عن حق العمال في التكليف حسب الطاقة
خلق الله الإنسان ودعاه إلى البحث عن رزقه في مشارق الأرض ومغاربها لكن بما يتناسب وقدراته ومهاراته ودرجة تحمله. وقد تناول القرآن الكريم العديد من الآيات القرآنية التي تبين ذلك، ومن أبرزها:
قال الله تعالى: (لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا لَهَا مَا كَسَبَتْ وَعَلَيْهَا مَا اكْتَسَبَتْ رَبَّنَا لا تُؤَاخِذْنَا إِنْ نَسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا رَبَّنَا وَلا تَحْمِلْ عَلَيْنَا إِصْرًا كَمَا حَمَلْتَهُ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِنَا رَبَّنَا وَلا تُحَمِّلْنَا مَا لا طَاقَةَ لَنَا بِهِ) – سورة البقرة: 286
جعل الإسلام التكليف في دائرة التوسع والطاقة، فلم يُحمل العامل فوق قدرته وما يقدر على تحمله، بل ألزم الدولة بتوفير حاجيات العامل من الغذاء، والكساء، والمسكن، وغيرها من المرافق التي تجعله قادرًا على التفرغ للعمل والعطاء بحسب المقدرة.
قال الله تعالى: (لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا مَا آتَاهَا) – سورة الطلاق: 7
قال الله تعالى: (وَلَا نُكَلِّفُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا ۖ وَلَدَيْنَا كِتَابٌ يَنطِقُ بِالْحَقِّ ۚ وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ) – سورة المؤمنون: 62
ينظر الإسلام إلى العمل على أنه وسيلة لتحقيق العيش الكريم وخدمة المجتمع، لكنه في الوقت ذاته يشترط أن يكون هذا العمل اختياريًا، قائمًا على الرضا المتبادل بين العامل وصاحب العمل، دون أي إجبار أو استغلال. فالإنسان أمام الإسلام مسؤول عن نفسه وأفعاله. لكنه في الوقت ذاته ليس ملزمًا بالعمل فيما لا يطيق تحمله.
لقد راعى الإسلام الاختلاف بين القدرات مبينًا ذلك في العديد من الآيات ومنها ما ورد في سورة الطلاق كما ذكرنا للتو، وقد فسر النيسابوري والثعلبي هذه الآية أنه يكلف عباده التكاليف التي يستطيعون القيام بها دون مشقة ولا عنت.
آيات قرآنية عن حق العمال في الأجر العادل
يضمن الحصول على الأجر العادل كفاف العامل مادياً، ويشجعه على العمل بإخلاص. وقد وردت في القرآن الكريم آيات عديدة تؤكد على العدل في المعاملات، ومنها حق العامل في أن يتقاضى أجره دون ظلم أو مماطلة. فيما يلي بعض الآيات التي تدعم هذا المبدأ:
قال الله تعالى: (إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ) – سورة النحل: 90
قال الله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَوْفُوا بِالْعُقُودِ) – سورة المائدة: 1
قال الله تعالى: (وَالَّذِينَ هُمْ لِأَمَانَاتِهِمْ وَعَهْدِهِمْ رَاعُونَ) – سورة المؤمنون: 8
قال الله تعالى: (وَلَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُم بَيْنَكُم بِالْبَاطِلِ”) – سورة البقرة: 188
قال الله تعالى: (إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الْأَمَانَاتِ إِلَىٰ أَهْلِهَا) – سورة النساء: 58
أجر العامل هو التزام ملقىً على كاهل صاحب العمل، فهو مسؤول أمام الله عن منحه للعامل في الوقت المتفق عليه، والقيمة المحددة مسبقًا دون تأخير أو مماطلة. ولذلك تطرق القرآن الكريم إلى الحديث عن الأجر في أكثر من مئةٍ وخمسين موضعًا، منها ما ورد في قصة موسى عليه السلام، إذ دُعي للحصول على أجره لقاء إحسانه وعمله الصالح عندما سقى إبل الفتاتين من البئر، فقرر والدهما مكافأة موسى عليه السلام ومنحه أجر صنيعه.
قال الله تعالى: (قَالَتْ إِنَّ أَبِي يَدْعُوكَ لِيَجْزِيَكَ أَجْرَ مَا سَقَيْتَ لَنَا) – سورة القصص: 25
بناءً على ذلك يجب مراعاة المبادىء الأساسية في منح الأجر للعامل في الإسلام ألا وهي؛ أن يتناسب مقدار الأجر مع طبيعته، فلا يجب أن يكون الأجر زهيدًا مقابل عمل يتطلب ساعاتٍ طويلة أو جهدًا مضاعفًا، ولا العكس أيضًا، بحيث يحصل العامل على أكثر مما يستحق. بالإضافة إلى ضرورة الالتزام بالأجر المحدد بالعقد، فلا يجب لصاحب العمل أن يبدل رأيه بعد أن ينتفع من العامل ويرهقه بالعمل طوال الشهر.
آيات قرآنية عن حق العمال في المساواة
أكد الإسلام على مبدأ المساواة بين الناس، ومن ذلك المساواة بين الرجال والنساء في الحقوق والواجبات. فيما يتعلق بحقوق العمال، جاء تأكيد القرآن الكريم على أن الجزاء والأجر مرتبطان بالعمل والجهد وحسب، دون تفرقة بين ذكر أو أنثى. وفيما يلي بعض الآيات التي تدعم هذا المبدأ:
قال الله تعالى: (مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِّن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَىٰ وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُم بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ) – سورة النحل: 97
قال الله تعالى: (إِنِّي لَا أُضِيعُ عَمَلَ عَامِلٍ مِّنكُم مِّن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَىٰ بَعْضُكُم مِّن بَعْضٍ) – سورة آل عمران: 19
تؤكد الآيات على أن العمل الصالح هو المعيار الذي يُبنى عليه الجزاء، بغض النظر عن جنس العامل. يعكس ذلك عدالة الإسلام وحرصه على الإنصاف بين الجميع، بما يحقق توازنًا اجتماعيًا ومهنيًا طاغيًا على المجتمع ككل، ويدعم البذل الحسن، ويساعد الفرد على تحقيق هدف الخلق الأسمى؛ ألا وهو عمارة الأرض وبناؤها. وهو بهذا يدين الكثير من الجهات والشركات التي تتعامل بازدواجية مع الأنثى فتمنحها أجرًا أقل من أجر الرجل، على الرغم من قيام كل منهما بالعمل نفسه والكفاءة ذاتها.
إلى جانب دعوة الإسلام إلى المساواة بين الذكر والأنثى، فإن القرآن الكريمة يتضمن العديد من الآيات التي تعزز مبدأ المساواة بين العمال بعضهم ببعض بالعموم، ومن ذلك:
قال الله تعالى: (يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنثَىٰ وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا ۚ إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ) – سورة الحجرات: 13
قال الله تعالى: (وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ) – سورة البقرة: 228
قال الله تعالى: (قُلْ آمَنْتُ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ مِنْ كِتَابٍ وَأُمِرْتُ لِأَعْدِلَ بَيْنَكُمُ اللَّهُ رَبُّنَا وَرَبُّكُمْ لَنَا أَعْمَالُنَا وَلَكُمْ أَعْمَالُكُمْ) – سورة الشورى: 15
اقرأ أيضًا: أحكام الشريعة الإسلامية في العمل
آيات قرآنية عن حق العمال في العبادة
يُعتبر حق العمال في أداء الشعائر المرتبطة بعقائدهم واحدًا من من أهم الحقوق المكفولة في الشريعة الإسلامية. إذ وجه الإسلام صاحب العمل إلى تهيئة الظروف المناسبة للعمال لأداء العبادات والطاعات دون أي عوائق أو تضييق.
قال الله تعالى: (أَرَأَيْتَ الَّذِي يَنْهَى* عَبْدًا إِذَا صَلَّى* أَرَأَيْتَ إِن كَانَ عَلَى الْهُدَى* أَوْ أَمَرَ بِالتَّقْوَى* أَرَأَيْتَ إِن كَذَّبَ وَتَوَلَّى* أَلَمْ يَعْلَمْ بِأَنَّ اللَّهَ يَرَى) – سورة العلق 9-14
يعكس هذا الحق توازن الإسلام بين الجوانب الروحية والمادية في حياة الإنسان. ويوصل رسالةً واضحة لصاحب العمل بوجوب وإلزامية السماح للعامل بالصلاة، والصوم، والزكاة، وأداء العبادات المفروضة. بل على المدراء أن يفرحوا فهؤلاء العمال لما يعكسه التزامهم بتعاليم الدين الحنيف على سلوكهم وأخلاقهم من صدقٍ وأمانة، وإخلاص وتفانٍ في العمل.
قال الله تعالى: (وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ) – سورة الذاريات: 56
توضح الآيات الكريمة أن الغاية الأولى من خلق الإنسان هي عبادة الله سبحانه وتعالى، وأن العمل وسيلة لتحقيق الكسب، لكنه لا يجب أن يعيق أداء العبادة التي هي غاية وجود الإنسان. وكما يُرَّغِب الدين بذلك ويَِعِدُ الصالحين بالثواب والأجر، فإن هناك آيات قرآنية تتوعد الذين يصدون عن سبيل الله ويعطلون شعائر الله، ويمنعون أدائها بالعقاب.
قال الله تعالى: (الَّذِينَ يَسْتَحِبُّونَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا عَلَى الْآخِرَةِ وَيَصُدُّونَ عَن سَبِيلِ اللَّهِ وَيَبْغُونَهَا عِوَجًا ۚ أُولَٰئِكَ فِي ضَلَالٍ بَعِيدٍ) – إبراهيم:3
قال الله تعالى: (وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ مَنَعَ مَسَاجِدَ اللَّهِ أَنْ يُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ وَسَعَىٰ فِي خَرَابِهَا ۚ أُوْلَٰئِكَ مَا كَانَ لَهُمْ أَنْ يَدْخُلُوهَا إِلَّا خَائِفِينَ ۚ لَهُمْ فِي الدُّنْيَا خِزْيٌ وَلَهُمْ فِي الْآخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ) – سورة البقرة: 114
قال الله تعالى: (وَالَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الْأَرْضِ فَسَادًا أَنْ يُقَتَّلُوا أَوْ يُصَلَّبُوا أَوْ تُقَطَّعَ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ مِنْ خِلَافٍ أَوْ يُنفَوْا مِنَ الْأَرْضِ – سورة المائدة: 33
ولعل من أبرز صور تطبيق هذا الحق على أرض الواقع هو مراعاة شهر رمضان الكريم بالنسبة للمسلمين. حيث يحتاج العمال إلى تقليص ساعات العمل بما يتيح لهم القيام بوظائفهم، وأداء الشعائر الدينية المفروضة والمستحبة في الشهر الفضيل؛ من صومٍ، وصلاة تراويح، وتهجدٍ، وقراءة القرآن وغيرها.
إذ تؤدي ساعات العمل الطويلة إلى فقدان التركيز والشعور بالإرهاق مما يؤثر على الأداء الوظيفي. ولهذا تراعي أنظمة العمل ذلك فتخفف ساعات العمل إلى (6) ساعات كما في قانون العمل السعودي، وبما لا يزيد عن (36) ساعةٍ أسبوعية. وتحذو حذوها العديد من الدول في ذلك.
آيات قرآنية عن حق العمال في الشكوى
يقر الإسلام بحق العمال في الشكوى عند تعرضهم للظلم أو التقصير في حقوقهم، كونه وسيلة لإعادة الحق إلى نصابه. ومن القرآن الكريم، نجد آيات تشير إلى أهمية رفع المظالم والشكوى إلى الله أولاً، ثم إلى من يملك القدرة على الإصلاح، سواء كان ذلك قضاءً أو جهة مسؤولة.
قال الله تعالى: (لا يُحِبُّ اللَّهُ الْجَهْرَ بِالسُّوءِ مِنَ الْقَوْلِ إِلَّا مَنْ ظُلِمَ) – سورة النساء: 148
قال الله تعالى: (إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الْأَمَانَاتِ إِلَىٰ أَهْلِهَا وَإِذَا حَكَمْتُمْ بَيْنَ النَّاسِ أَنْ تَحْكُمُوا بِالْعَدْلِ) – سورة النساء: 58
قال الحسن البصري في تفسير تلك الآيات أن المسلم لا يدع على من ظلمه، وإنما يقول: “اللهم أعني عليه، واستخرج حقي منه”. وفي ذلك إشارة إلى وجوب الشكوى والتقاضي عند الشعور بالظلم وانتزاع الحقوق من العمال وغيرهم. ولا أدل من ذلك من الحديث القدسي الذي يُحرم الله فيه الظلم على نفسه، فكيف بظلم العباد بعضهم بعضًا. “يا عبادي إني حرمت الظلم على نفسي، وجعلته بينكم محرمًا، فلا تظالموا”. وقد بين القرآن الكريم عقاب الظالمين إشارةً إلى وجوب الشكوى.
قال الله تعالى: (وَلَا تَحْسَبَنَّ اللَّهَ غَافِلًا عَمَّا يَعْمَلُ الظَّالِمُونَ ۚ إِنَّمَا يُؤَخِّرُهُمْ لِيَوْمٍ تَشْخَصُ فِيهِ الْأَبْصَارُ) – سورة إبراهيم: 42
قال الله تعالى: (إِنَّ الظَّالِمِينَ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ) – سورة إبراهيم: 22
قال الله تعالى: (إِنَّهُ لَا يُفْلِحُ الظَّالِمُونَ) – سورة الأنعام: 21
اقرأ أيضًا: الحقوق كموظف بأجر
آيات قرآنية عن حق العمال في حفظ الكرامة
تُعد الكرامة الإنسانية في الإسلام من المبادئ الأساسية التي أكد القرآن الكريم على حفظها، بما في ذلك كرامة العامل. إذ اعتبرها من الخطوط الحمراء التي يُمنع تجاوزها أو محاولة السخرية منها والتقليل من شأنها. وذلك من خلال العديد من الآيات القرآنية.
قال الله تعالى: (وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ) – سورة الإسراء: 70
قال الله تعالى: (وَقُولُوا لِلنَّاسِ حُسْنًا) – سورة البقرة: 83
قال الله تعالى: (لَقَدْ خَلَقْنَا الإنْسَانَ فِي أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ) – سورة التين: 4
قال الله تعالى: (وَصَوَّرَكُمْ فَأَحْسَنَ صُوَرَكُمْ) – سورة التغابن: 3
قال الله تعالى: (إِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلَائِكَةِ إِنِّي خَالِقٌ بَشَراً مِن طِينٍ فَإِذَا سَوَّيْتُهُ وَنَفَخْتُ فِيهِ مِن رُّوحِي فَقَعُوا لَهُ سَاجِدِينَ) – سورة ص: 71-72
عزز الإسلام فكرة احترام الكرامة الإنسانية وحمايتها في كافة مجالات الحياة، بما في ذلك في العمل. وأوجب صاحب العمل باحترام العمال، ومخاطبتهم بأدبٍ وتهذيب، وعدم استغلال منصبه للنيل من كرامتهم، أو إذلالهم، أو السخرية منهم، أو إجبارهم على ما لا ينبغي لهم القيام به، كفرض ساعات عمل إضافية، أو إيكال مهام ليست من اختصاصهم وغيرها من صور الظلم.
تلفت الآيات الكريمة نظر الجميع إلى أن التعامل مع الآخرين يجب أن يكون بالحسنى، مما يشمل أيضًا كيفية معاملة العمال. إذ يجب أن يُحترم العامل، ويُعلى قدره، ويثاب بما يصنع وينتج.
خاتمة
إن حقوق العمال في الإسلام هي منظومة متكاملة تتضمن العناية بكرامتهم، وضمان حقوقهم المادية والمعنوية، وتشمل العدل في الأجور، والحرية في أداء العبادات، والمعاملة الطيبة التي تحفظ إنسانيتهم. وقد جاءت الآيات القرآنية لتؤكد على هذه الحقوق بشكل واضح، مُرشدَةً إلى ضرورة احترام حقوق العامل وعدم التعدي عليها. فمن حق العامل أن يُحترم وتُصان كرامته، كما أن الأجر يجب أن يُعطى له بعدل دون تأخير، ولا يجوز تحميله ما يفوق طاقته.
في ظل هذه التشريعات، يُمكن للمجتمع أن يبني علاقة متوازنة وعادلة بين العامل وصاحب العمل، تساهم في تحقيق العدالة الاجتماعية وتضمن بيئة عمل صحية وأكثر إنتاجية. فما تضمنته الآيات القرآنية من تأكيد على حقوق العمال يجب أن يكون مرشدًا لنا في فهم كيفية معاملة الآخرين بإنصاف واحترام، وإرساء القيم التي تحقق العدالة والمساواة في المجتمع الإسلامي.