حقوق العامل في الإسلام

اعتبر الإسلام العمل واجبًا وفريضة وحث القرآن الكريم على العمل، ويتبين ذلك في قوله تعالى: ﴿فَإِذَا قُضِیَتِ ٱلصَّلَوٰةُ فَٱنتَشِرُوا۟ فِی ٱلۡأَرۡضِ وَٱبۡتَغُوا۟ مِن فَضۡلِ ٱللَّهِ وَٱذۡكُرُوا۟ ٱللَّهَ كَثِیرࣰا لَّعَلَّكُمۡ تُفۡلِحُونَ﴾ – الجمعة: 10.

كما تضمن السنة النبوية الكثير من الأحاديث التي تدفع الناس للعمل ومنها قول رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ما أكل أحد طعامًا قط خيرًا من أن يأكل من عمل يده وإن نبي الله داود كان يأكل من عمل يده» – رواه البخاري.

 كما أن الإسلام دين ونظام حياة، ومن أسباب كمال وشمول الدين الإسلامي هو بيانه لأحكام المعاملات بين الناس. ففيه نظم عادلة حفظت حقوق العباد، وحقوق كبار السن، والنساء، والأطفال، والضعفاء، واليتامى والمساكين، كما حفظت هذه النظم حقوق العمال في الإسلام. ولقد حرم الدين الإسلامي كل أشكال الظلم والاستبداد والاستغلال والتسلط والاعتداء.

قال الله تعالى: ﴿إِنَّ ٱللَّهَ لَا یَظۡلِمُ مِثۡقَالَ ذَرَّةࣲۖ وَإِن تَكُ حَسَنَةࣰ یُضَـٰعِفۡهَا وَیُؤۡتِ مِن لَّدُنۡهُ أَجۡرًا عَظِیمࣰا﴾ – النساء:40

ومن حقوق العامل احترامه وتقديره وليس تحقيره أو إهانته، وعدم إلصاق الأوصاف به ونعته بها، أو ذم لون بشرته أو جنسيته، أو غيرها من الأفعال المذمومة، بل يجب التعامل معه بأخلاق الإسلام. كما قال عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما: «لم يَكُنِ النبي صلى الله عليه وسلم فَاحِشًا وَلاَ مُتَفَحِّشًا، وَكَانَ يَقُولُ: إِنَّ مِنْ خِيَارِكُمْ أَحْسَنَكُمْ أَخْلاَقًا» – أخرجه الشيخان.

في هذا المقال

حقوق العامل في الإسلام

حقوق العامل في الإسلام

كل الناس أمام الإسلام سواسية في الإنسانية والكرامة، وكرَّم الله بني آدم على اختلاف ألوانهم ولغاتهم وجنسياتهم، ولكنه خلق الناس طبقات ليخدم بعضهم بعضًا، وحتى تكتمل الدائرة وتستمر الحياة. لذلك نجد أن لكل واحد وظيفته التي يخدم بها غيره، حتى صاحب المال فهو يعمل بماله وينشئ المشاريع ليخدم المجتمع، لذا فصاحب المال يحتاج إلى العامل، والعامل يحتاج إلى صاحب المال. ومن هنا فقد وضع الإسلام القواعد لهذه العلاقة وحفظ حقوق العامل وفي يلي أبرز هذه الحقوق.

حق العامل في احترام إنسانيته

كرم الله الإنسان، وجعل له في الإسلام كرامة وحرمة، دون النظر إلى عرقه أو دينه أو طبيعة عمله، وخير دليل على ذلك هو خير البشر رسول الله صلى الله عليه وسلم الذي قال خادمه أنس بن مالك رضي الله عنه: «خدمتُ رسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم عشرَ سنينَ، فما قال لي أُفٍّ قطُّ، وما قال لي لشيٍء صنعتُه: لِمَ صنعتَه، ولا لشيٍء تركتُه: لِمَ تركتَه» متفق عليه. لذا يجب على صاحب العمل أن يحافظ على كرامة العامل، وألَّا يضعه في موضع يشعر فيه بالذل أو السخرة أو الإهانة.

اقرأ أيضًا: أحكام الشريعة الإسلامية في العمل

حق العامل في عدم تكليفه فوق طاقته

يجب ألا يتم تحميل العامل ما يفوق قدرته، أو تكليفه بأعمال لا يطيقها، أو إرهاق العامل لدرجة الإضرار بصحته، أو جعله عاجزًا عن القيام بمهام عمله، وذلك تحقيقًا للقاعدة الشرعية القائلة: «إنه لا تكليف بما لا تستطيع القيام به» ولقوله عز وجل: ﴿لَا یُكَلِّفُ ٱللَّهُ نَفۡسًا إِلَّا وُسۡعَهَاۚ﴾ – البقرة: 286.

كما أكد النبي ﷺ عند حديثه عن حقوق العامل قائلًا: «للمملوك طعامه وكسوته، ولا يُكلف إلا ما يطيق؛ فإنْ كلّفتموهم فأعينوهم، ولا تُعذِّبوا عباد الله؛ خلقًا أمثالكم» – رواه البخاري.

وكما ذكر القرآن الكريم حوار صاحب مدين الذي عرض على نبي الله موسى عليه السلام العمل معه فقال تعالى: ﴿وَمَاۤ أُرِیدُ أَنۡ أَشُقَّ عَلَیۡكَۚ سَتَجِدُنِیۤ إِن شَاۤءَ ٱللَّهُ مِنَ ٱلصَّـٰلِحِینَ﴾ – القصص:27

لذا فإذا كلف صاحب العمل العامل بما قد يؤثر على صحته، فيحق للعامل فسخ العقد، أو رفع الأمر إلى أولي الأمر والمسؤولين؛ ليرفعوا عنه هذا التكليف ومراجعة صاحب العمل في الأمر.

حق العامل في أداء فرائضه الدينية

يجب على صاحب العمل السماح للعامل بأداء فرائضه الدينية، ولا يجوز منعه، حيث يعد ذلك صدًّا عن سبيل الله، وتعطيلًا لشعائر الدين. قال تعالى: ﴿أَرَءَیۡتَ ٱلَّذِی یَنۡهَىٰ ۝٩ عَبۡدًا إِذَا صَلَّىٰۤ ۝١٠ أَرَءَیۡتَ إِن كَانَ عَلَى ٱلۡهُدَىٰۤ ۝١١ أَوۡ أَمَرَ بِٱلتَّقۡوَىٰۤ ۝١٢ أَرَءَیۡتَ إِن كَذَّبَ وَتَوَلَّىٰۤ ۝١٣ أَلَمۡ یَعۡلَم بِأَنَّ ٱللَّهَ یَرَىٰ ۝١٤ كَلَّا لَىِٕن لَّمۡ یَنتَهِ لَنَسۡفَعَۢا بِٱلنَّاصِیَةِ ۝١٥ نَاصِیَةࣲ كَـٰذِبَةٍ خَاطِئَةࣲ ۝١٦ فَلۡیَدۡعُ نَادِیَهُۥ ۝١٧ سَنَدۡعُ ٱلزَّبَانِیَةَ ۝١٨ كَلَّا لَا تُطِعۡهُ وَٱسۡجُدۡ وَٱقۡتَرِب ۩ ۝١٩﴾ – العلق:9-19. لذلك، يجب على صاحب العمل أن يأمر العامل بالصلاة، ويراقب سلوكه وأخلاقه، ويدفعه إلى التمسك بآداب الدين، مما يجعله يخلص في عمله ويصون مصالح صاحب العمل.

اعرف المزيد عن قانون العمل السعودي

حق العامل في الأجر العادل

من أهم حقوق العامل ألا يبخس حقه لقوله تعالى: ﴿وَلَا تَبۡخَسُوا۟ ٱلنَّاسَ أَشۡیَاۤءَهُمۡ وَلَا تَعۡثَوۡا۟ فِی ٱلۡأَرۡضِ مُفۡسِدِینَ﴾ – هود:85. كما يجب ألا يُهضَم حقه أو يضيع عرقه، وألا يؤكل ماله بالباطل، ولا يماطل صاحب العمل في دفع أجر العامل، أو يتأخر عليه، أو يخصم منه بدون وجه حق. ولإثبات مدى أهمية التعجيل بدفع أجر العامل في الإسلام، ها هو حديث رسول الله ﷺ حيث قال: «قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: ثَلاَثَةٌ أَنَا خَصْمُهُمْ يَوْمَ القِيَامَةِ: رَجُلٌ أَعْطَى بِي ثُمَّ غَدَرَ، وَرَجُلٌ بَاعَ حُرًّا فَأَكَلَ ثَمَنَهُ، وَرَجُلٌ اسْتَأْجَرَ أَجِيرًا فَاسْتَوْفَى مِنْهُ، وَلَمْ يُعْطِهِ أَجْرَهُ.» – رواه البخاري.

كما يجب على صاحب العمل الذي يستأجر عاملًا ألا يؤخِّر أجره لقوله ﷺ: «أعطُوا الأجيرَ أَجْرَه قبلَ أن يجِفَّ عَرَقُه» – رواه ابن ماجه، وصححه الألباني

اعرف المزيد عن: نظام حماية الأجور في قطر

حق العامل في عقد العمل

عقد العمل في الإسلام هو عقد الإجارة، وما ينظم العلاقة بين العامل وصاحب العمل هو عقد الإجارة المبرم بين الطرفين، ويجب الالتزام به لقوله تعالى: ﴿یَـٰۤأَیُّهَا ٱلَّذِینَ ءَامَنُوۤا۟ أَوۡفُوا۟ بِٱلۡعُقُودِۚ﴾ – المائدة: 1.

ويجب على صاحب العمل الالتزام بما ورد في عقد العمل من بنود تخص حقوق العامل، بدءًا من الأجر، والالتزام بمهام العمل المنصوص عليها في عقد عمله، وساعات عمله اليومية والأسبوعية، وفترات الراحة اليومية والأسبوعية، والإجازات الرسمية والسنوية، والضمان الاجتماعي الذي يمنحه حياة كريمة بعد التقاعد، ومكافأة نهاية الخدمة، وغيرها من حقوق العامل التي أمر بها الدين الإسلامي، وأقرَّتها نصوص عقد العمل والأنظمة والقوانين الحديثة.

كما أن العقد عهد بين المتعاقدين، وأمر الإسلام بصون العهد لقوله تعالى: ﴿وَٱلَّذِینَ هُمۡ لِأَمَـٰنَـٰتِهِمۡ وَعَهۡدِهِمۡ رَٰ⁠عُونَ﴾ – المؤمنون: 8. ولقوله ﷺ: «المُسْلِمُونَ عَلَى شُرُوطِهِمْ، إِلَّا شَرْطًا حَرَّمَ حَلَالًا، أَوْ أَحَلَّ حَرَامًا» – رواه الترمذي.

الختام

لقد أعز الدين الإسلامي العامل وكرمه واعترف بحقوقه. كما حققت السيرة النبوية بقاءً حضاريًّا مشهودًا في التأكيد على حفظ حقوق العامل واحترامه ورعايته رعاية كريمة، وذلك من خلال جمعها بين حقوق العامل المعنوية واستحقاقاته المالية.

كما أن العدل في المعاملات بين صاحب العمل والعامل يقوم على رعاية حقوق الطرفين، دون ظلم وإجحاف، بناءً على القاعدة الشرعية (لا ضرر ولا ضرار)، وكما قال الله تعالى: ﴿لَا تَظۡلِمُونَ وَلَا تُظۡلَمُونَ﴾ – البقرة: 279.  ولذا اهتم الإسلام بتحقيق العدل، ورعاية الطرف الأضعف وحماية حقوقه، لذا كانت حقوق العامل واجبًا وإلزامًا على أصحاب العمل مراعاتها، والوفاء بها، مما ينتج عنه أعمالًا مزدهرة ومجتمعًا صالحًا يراعي فيه العامل واجباته، ويهتم فيه صاحب العمل بحقوق العامل لديه.