كرئيس تنفيذي أحد الأسباب التي جعلتني أركز على حضور الموظفين هو إدراكي لمدى انتشاء عدوى غياب الموظفين عن العمل. عندما تبدأ معدلات الغياب في الارتفاع، يشجع ذلك الآخرين على القيام بالشيء نفسه، وقبل أن تدرك ذلك، تكون المستويات مرتفعةً حقًّا، وبعد ذلك يكون من الصعب جدًّا مواجهة هذا الاتجاه.
إدارة حضور الموظفين قد تكون اعتياديةً، ولكن القيام بها بالشكل الصحيح مهم لنجاح أي منشأة. وأهمية الأمر في أن الحضور هو مقياس لموثوقية الموظف والتزامه تجاه وظيفته، ويؤثر بشكل مباشر على الإنتاجية والأرباح والنجاح العام للشركة.
في السعودية، هناك العديد من القوانين واللوائح المتعلقة بحضور الموظفين، ويجب على أصحاب العمل الامتثال لهذه اللوائح لتجنب المشاكل القانونية. في هذا المقال، سأتناول أهمية حضور الموظفين، والنظم واللوائح، والإحصائيات المتعلقة بحضور الموظفين في السعودية.
أهمية حضور الموظفين
يمكن أن يكون غياب الموظفين له تأثير كبير على المؤسسة، سواءً من حيث الإنتاجية أو الأداء المالي. ويمكن أن يؤدي إلى انخفاض في الإنتاجية، وزيادة في التكاليف، وانخفاض في الروح المعنوية، وتأثير سلبي على ثقافة الشركة، وتأثير سلبي على خدمة العملاء.
واحدة من المشكلات الرئيسية المتعلقة بالغياب هي أنها معدية إلى حد ما؛ أي أن الموظفين إذا رأوا زملاءهم يتغيبون بانتظام، فإنهم يكونوا أكثر عرضةً للقيام بالشيء نفسه. لذلك، يُعد من المهم أن تُعطي المؤسسات أولويةً لحضور الموظفين، وتقوم بوضع سياسات وممارسات تشجع على الحضور الموثوق بين الموظفين.
بالإضافة إلى ذلك، يمكن لأصحاب العمل خلق ثقافة تقدر وتكافئ الحضور، مما يساعد في تقليل غياب الموظفين وتحسين الأداء العام.
قوانين ولوائح حضور الموظفين
في السعودية، هناك العديد من النظم واللوائح المتعلقة بحضور الموظفين. يُلزم نظام حماية الأجور أصحاب العمل بدفع أجور الموظفين عن كل ساعة عمل، بما في ذلك الساعات الإضافية، كما يحدد معايير الحد الأدنى للأجور، وحفظ سجلات حساب ساعات العمل وعمل الأطفال. كما يوفر نظام العمل السعودي للموظفين المؤهلين إجازةً مدفوعةً لأسباب طبية وعائلية محددة. ويحظر التمييز ضد الموظفين، ويتطلب من أصحاب العمل توفير تسهيلات معقولة للسماح لأصحاب الإعاقة بأداء واجبات وظائفهم.
حضور الموظفين في السعودية
هناك بالطبع اختلافات تعتمد على الصناعة والمهنة والفئة السكانية. على سبيل المثال، كان لدى عمال الرعاية الصحية والمساعدة الاجتماعية أعلى معدلات الغياب؛ بسبب المرض أو الإصابة. ويرجح أن يكون ذلك بسبب مستويات الاتصال المرتفعة بالأمراض والإصابات في هذه المجالات. من ناحية أخرى، فلدى العاملين في الأنشطة المالية أدنى معدلات الغياب.
كما كانت هناك اختلافات كبيرة أيضًا بناءً على المهنة. فكان لدى عمال المبيعات والمكاتب أعلى معدلات الغياب بسبب المرض أو الإصابة. من ناحية أخرى، كان لدى عمال الإدارة والأعمال والعمليات المالية أدنى معدلات الغياب. أعتقد أن هناك عدة عوامل تلعب دورًا هنا، ولكن واحدة من العوامل الرئيسية التي يتم تجاهلها في كثير من الأحيان هي الرضا الوظيفي. الحقيقة هي أنه إذا لم تحب ببساطة وظيفتك، فإنك أكثر عرضةً للبحث عن مبرر للغياب.
كما كانت هناك اختلافات أيضًا بناءً على الفئة السكانية، حيث كانت النساء يغبن بنسبة 39% أيام إضافية؛ بسبب المرض أو الإصابة مقارنةً بالرجال، 3.2 أيام مقابل 2.3 أيام، وكما هو متوقع، فقد كان لدى العمال كبار السن معدلات أعلى للغياب، حيث غاب العمال الذين تجاوزوا سن الخمسة وخمسين عامًا بمتوسط 4.1 أيام في السنة مقارنةً بـ 2.1 يوم للعمال الذين تقل أعمارهم عن 25 عامًا.
الاتجاهات الأخيرة وفيروس كوفيد
تشير الغيابات الناتجة عن المرض إلى مستويات قياسية سنوية عالية حاليًّا دون وجود احتمالات واضحة لتخفيفها. لأكثر من ثلاث سنوات حتى الآن، كان يغيب أكثر من مليون شخص كل شهر بسبب المرض. في يونيو 2022، كان حوالي 7% من السعوديين البالغين يعانون من “العدوى”؛ مما أثر على إنتاجيتهم وقدرتهم على العمل.
“كان متوسط المنشآت التي تأثرت بجائحة كورونا في السعودية حوالي 65.2%، واضطرت نحو 20.9% منها لإيقاف كل موظفيها عن العمل، فيما أوقفت نحو 14.7% من المنشآت أكثر من 10 عاملين.” – المجلة العلمية للاقتصاد والتجارة.
العمل عن بُعد والحضور
لقد كشفت أحدث إحصائيات العمل في المملكة في السعودية وفقًا لجريدة الوطن، أنه قد تم إصدار أكثر من 2.3 مليون وثيقة عمل حر، و أكثر من 377 ألف عقد عمر مرن، وما يزيد عن 100 ألف موظف عن بعد. ووفقًا لتصنيف جي أر دبليو أي (GRWI) لعام 2023، فقد حصلت السعودية على المركز الأولى عربيًّا، من حيث أفضل الدول التي قامت بتطبيق نظام العمل عن بعد، وفي المركز 44 عالميًّا. ومن أهم فوائد هذا النظام هو أنه يسمح للسعودي بالعمل من أي مكان، ويصل الراتب أو الأجر إلى حساب المواطن البنكي مباشرةً، وفي موعد الراتب المتفق عليه.
وعلى النقيض، لنا مثال عالمي كان يحاول القيام بعكس ذلك، فقد كانت آبل تحاول بشكل مستمر إجبار موظفيها على العمل في المكاتب لمدة ثلاثة أيام على الأقل في الأسبوع. وكانت الشركة تتتبع حضور الموظفين من خلال “سجلات البطاقات”، وتصدر تحذيرات لأولئك الذين لا يلتزمون. وبالطبع، قاوم العديد من الموظفين خطط الشركة لإعادة الموظفين إلى العمل في المكتب، مؤكدين أنهم قد أثبتوا بالفعل قدرتهم على العمل بشكل فعَّال عن بُعد على مدى السنتين الماضيتين.
أعتقد أن هذا الاتجاه سنراه مستمرًّا في عام 2024، حيث تلتزم الشركات بتزايد فرص العمل في المكتب على الموظفين.
الحقيقة، أن قد ساورني هذا الشعور من خلال معرفتي بالعديد من أصحاب الأعمال والرؤساء التنفيذيين، حيث إنهم يدفعون بهذا الاتجاه، على الرغم من أنهم كانوا مضطرين لتحمل العمل عن بُعد خلال الجائحة، فهم يرغبون في إعادة الموظفين إلى المكتب، ولكن للحفاظ على استبقاء الموظفين، يمكن أن يحدث ذلك فقط عندما يفعل السوق بأكمله الشيء نفسه. ويبدو أن هذا يحدث.
الحصول على أسبوع كامل 100٪ من العمل عن بُعد أصبح أقل شيوعًا الآن. الآن، تميل المزيد من الأعمال نحو نموذج العمل الهجين. وهذا يعني العثور على توازن بين العمل الجماعي وحرية العمل بشكل مستقل. حيث يتوقع تقرير من فوربس أن 81٪ من الشركات ستعتمد هذا النموذج الهجين للعمل في عام 2024، ويتحمس له العاملون من الجيل الحالي.
طرق تحسين حضور الموظفين
هناك العديد من الطرق لتحسين حضور الموظفين في الشركة. أتناول هنا بعضها. حقًّا، لا يوجد ضمان لقاعدة صارمة وسريعة، ويعتمد الأمر كثيرًا على الثقافة الحالية في منشأتك.
- وضع سياسة واضحة للحضور: سياسة واضحة للحضور يتم إرسالها لجميع الموظفين، ويجب أن تشمل التوقعات والعواقب، ووسائل طلب الإجازة أو الإبلاغ عن الغياب.
- توفير ترتيبات عمل مرنة: يمكن لترتيبات العمل المرنة، مثل: العمل عن بُعد أو سجلات الدوام المرنة، أن تساعد الموظفين فعليًّا في تحقيق توازن بين حياتهم الشخصية والعمل، مما يقلل من احتمال الغياب لأسباب شخصية. إنه جزء مهم لجعل العمل أكثر متعةً.
- تقديم حوافز: يمكن لأصحاب العمل تقديم حوافز لتشجيع الموظفين على الحضور، مثل: المكافآت، أو العلاوات للحضور المثالي.
- خلق بيئة عمل إيجابية: بيئة عمل إيجابية يمكن أن تزيد من مشاركة الموظفين، وتقلل من احتمال الغياب بسبب عدم الرضا عن الوظيفة.
- مراقبة الحضور وتقديم الملاحظات: يجب على أصحاب العمل مراقبة الحضور بانتظام، وتقديم ملاحظات بناءة للموظفين الذين لديهم سجلات حضور غير منتظم، ومحاولة تحديد ومعالجة الأسباب الأساسية لغياب الموظف.
الأنظمة التي يمكنك استخدامها لحضور الموظفين:
هناك العديد من الأنظمة التي يمكنك استخدامها لحضور الموظفين، وذلك على افتراض أنك تحتاج إلى نظام من الأساس. يعتمد اختيار النظام الذي ستستخدمه (إذا قررت الاعتماد على نظام) على ثقافة الشركة، ونوع العمل، وحجم المؤسسة، وعدة عوامل أخرى، منها:
- برامج تتبع الوقت والحضور: يمكن أن تبسط هذه البرامج عملية تتبع حضور الموظفين وتسجيل توقيت الحضور والانصراف تلقائيًّا، وحساب ساعات العمل، وإنشاء تقارير.
- أجهزة الحضور بالقياسات الحيوية: ماسحات ضوئية لبصمات الأصابع أو التعرف على الوجه يمكنها تسجيل حضور الموظف بدقة ومنع تسجيل الموظفين الحضور بالنيابة عن بعضهم بعضًا، ويمكن دمج هذه الأجهزة مع برامج سحابية لتبسيط عمليات التتبع والتقارير.
- الطرق الورقية لتسجيل الحضور: يمكن أن تكون الأنظمة الورقية التقليدية لتسجيل الحضور الفعلية وسيلةً رائعةً لتسجيل حضور الموظفين يدويًّا، خاصةً للشركات الصغيرة.
- تتبع وتحديد الموقع الجغرافي: بالنسبة للموظفين الذين يعملون عن بُعد أو الميدانيين، يمكن استخدام الأنظمة المدعومة بتقنيات تتبع وتحديد الموقع الجغرافي لمراقبة مواقعهم وحضورهم.
- تطبيقات الهواتف: توفر معظم برامج تتبع الوقت والحضور تطبيقات للموظفين بتسجيل الحضور والانصراف باستخدام هواتفهم. ويعد هذا الأسلوب رائعًا للموظفين، ويمكن أن يساعد أصحاب العمل على تتبع الحضور في الوقت الفعلي.
أفكار أخيرة
الحضور هو مقياس لموثوقية وتفاني الموظف في وظيفته، ويؤثر مباشرةً على الإنتاجية والأرباح، ونجاح الشركة بشكل عام، لذلك من المهم إدارة الحضور بنجاح، وضمان عدم ارتفاع معدلات الغياب لأنها معدية. لذلك يعد البقاء على اطلاع على التطورات أمرًا مهمًّا للمديرين، خاصةً في السياق دائم الحركة للعمل عن بُعد. سيكون من المثير مراقبة كيفية تطور الأمور، ولكن أرى أن عام 2024 سيشهد عودة العديد من العاملين عن بُعد إلى المكتب.